السبت، 16 مارس 2013

حديقة الحَي

بعد فجرٍ قضتهُ بالصلاةِ وَالدعاء أكلت فُطورها على عجل فهي لا تريد أن تتأخر على موعدها اليَومي، حملت بكوب القهوة السَاخن وارتدت معطفها وَخرَجت. ما هي إلا دقائق إلا وقد وصلت حيث ابتغَت، حديقة الحي الدافئة بمَن يأتيها، جلست على أحد الكراسي وابتدأت رحلة تأملها اليومية : 

على اليمين /
أبٌ يلاعِب ابنَه،
يغني له :
" يا حبيبي هالولد، يكبر ويعمّر في البلد "
- بابا ما معنى يعمّر ؟
- حبيبي بُنيّ، تُعمّر أي تعيشُ طويلاً، تُعمّر أي تبني هذا البلد وَتُنمّيه بأفعالك وعطاءك :)
- أنا، لا أعرف البنيّ لو حاولتُ بناء بيت لسقط بمن فيه، وسقطتُ من فوق سلم البناء
- هذا لأنك صغير، ستكبر وَتتعلم يا عزيزي وَ " تعمّر في البلد "
يضحك الطفل، فتضحك هيَ

على اليسار /

ذاك الرجل المُسنّ، الذي لا يكادُ يتذكّر اسم ابنه.. ابنه الذي قد يسأل عليه في أحد ليالي شهر رمضان من باب الإحسان! ذاك العجوز الذي لا يفتأ يذكر زوجته الراحلة ويدعو لها، يتحدث عنها بكل جميل وَيمدحها إما مُحدِثاً أحد المارّة أو مُتحدثاً مع... نفسِه، يتحدّث حتى يُتعبه الكلام فيعود إلى بيته الموحِش الخالي من الحياة، وربما يُكمل حديثه المُتعَب المُتعِب... مع الجدران


أمامها /

امرأة حُبلى يرافقها زوجها ويتحدثان عن مخططات ما بعد الوِلادة من تسمية المولود/ة وَ تجهيزات المنزل وَوَوَ...
- سنُسمّي ابنتنا سلمى ولو كان ولداً لنسمّيه سليم
يضحك زوجها : وما سر السين واللام والميم ؟
- لا سر ولا غيره ولكنني أهوى اسم سلمى مُنذ الصِغر، وسليم.. لأنه مُقارب لإسم سلمى... معلمتي في الإبتدائية :) ، لم تقل لي ما هو رأيك ؟
- ممم اسم سلمى لا بأس بِه ولكنني كنتُ أتمنى أن أسميها أمل، كي لا ننسى الأمل ما حيينا، أتعلمين؟ حتى وإن كان ذكراً سنُسمّيه أمل ولربما يُصبح شاعراً كأمل دنقل ;)
- جميل يا... جميل ، أمامنا ٦ أشهر أخرى لنُقرر ولن نختلف بإذن الله


ومِن خلفها /
رسام قد نشر عدته على العُشب، وبدأ برسم أشياء لا علاقة لها بالحديقة، ربما .. ربما هو فقط أراد مكاناً يشرح صدره للحياة وَيقوي عزمه على الرسم.. الطبيعة وحدها تفعل :")

حدّقت طويلاً في لوحته، ابتسَمت.. اطّلعت على ساعتها، إنها العاشرة والنِصف وقت اجتماع الجارات، فلأذهب.

* حُرر في ١٦ مارس ٢٠١٣ / ٤ جمادى الأولى ١٤٣٤ *

الخميس، 14 مارس 2013

تغريدات في ليلٍ غزتهُ ذكرى الفقد

* جدتي.. هذا الليل الكئيب لا يُذكرني سوى بملَك الموت، ووحدتكِ ممن يستمع إلى وصيتكِ، وروحكِ الصاعدة إلى جنة الخلد تحيطها الرحمة وتزفّها الملائكة
* جدتي، برَكة الدار أنتِ، مُذ فقدناكِ هجرنا دارَنا، وكلما عدنا رأينا طيفكِ ساجِداً يدعو لنا ~
* جدتي، أفتقد مُزاحكِ معي، مُزاحكِ الذي تسكنُ خلفه حكمة تواتر النسيان، وتجاعيد الزمان
* أشتاق تقليدكِ لحركاتي وضحكتكِ لتُضحكيني، يا سِر سعادة الكون لِمَ أورثتِني الحُزن ؟
* أنتِ، زهرة نرجِسٍ ذبلت وبقى عبيرها يصول ويجول بين جنبات أفئدة أحبتكِ، في بيوتهم، بداخل غُرَفهم، حتى على مكاتبهم وبين كتبهم..
* صوتكِ لا زال يزور عقلي وقلبي وتشتاقهُ أذني.. صوتكِ، لا زال يتلو القُرآن ويُصلّي الفجر وَيدعو.. صوتكِ لا زال حياً في فؤادي، صوتكِ يا... جدتي
صوتكِ، يحكي لي قصص وَ "خُرّافات"، صوتكِ يكرّر عليّ أشعار "سعيدة"، صوتكِ ينشِد وَيتلو وَيحكي وَيضحك.. في داخلي فقط يا جدتي، في داخلي



* عطركِ لا زال عالِقاً بصدري مُذ آخر عِناقٍ لنا، وقتها كُنتِ على سرير المرَض، كانت ليلة جُمعة وكُنتِ قد أوشكتِ على النوم فقبّلتكِ وخرجت

عطركِ،لا زال عالقاً في كنزة الشتاء الزرقاء، في دولاب الملابس في منزلنا، عطركِ لا زال مُتشبّتاً بالكنزة الحمراء التي وضعناها على سريركِ..
* سجادة الصلاة تسألني عن عجوز تصلي لأبيها وأمها قبل صلاتها لنفسها، أختنق بعبرتي وأجيبها: ذهبت لتراهما وتتأكد بنفسها إن كانا راضيين عنها
وتنظرُ المِسبَحة بوَجَع: أين اليدُ التي لم تكُن تتركني؟ تبقى طوال اليوم تمسكني، وبالتسبيح تأسرني وتفرحني؟ أبكي.. أُردد: تحت التراب ..
* أتساءل يا جدتي، هناك..في العالم الآخر، حيث برزخٍ لم أصل إليه بعد، أتدعون لأحبتكم وتحصونهم اسماً اسماً بين يدي الله كما كنتم تفعلون في الدنيا؟
* أتساءل يا جدتي، حينَ أصيرُ في عالمكِ هل الطريقُ طويلٌ حتى أصِلُ قصركِ لأحتصنكِ وأبكيني وأبكيكِ وأبكي الزمان وأبكي الأهل؟
* جدتي يا جدتي، رحم الله روحكِ التي أحيَت كل الحزن بداخلي، حين رحَلَت
* جدتي ، ما بال روحكِ هجَرت أحلامي؟ لي زمان لم أُقبّل كفيكِ، لم تحتضنيني منذُ عامينِ... وأكثر
* جدتي، زوريني ذات شفقة من عجوزٍ أتعبتها الحياة فرحلت للجنّة وزِينتها، ثم أشفقت على حال يتامى الزمانِ اللائي لم يحن وقت التحاقهم بالأُخرى بعد
* الشوق يعتصِرُ الفُؤاد والروحُ يقتلها الحنين، ربّاه كن في عونِ كل الفاقدين

" إِنّمَا أَشكُو بَثِي وَحُزنِي إِلَى الله إِنّ اللهَ بَصِيرٌ بِالعِبَاد " #القرآن_الكريم


اللهم أدخِل على أهلِ القبور السرور ♥ / الفاتحة إلى أرواح موتى المؤمنين والمؤمنات والمُسلمين والمُسلمات


* حُرر في / ٢٥ ديسمبر ٢٠١٢ *

رُكنِي الدافِئ

هذه التدوينة نتيجة إلهام من منشور الصديقة فاطمة الزهراء 💖 حين سألَت عن شعورنا تجاه غُرفنا وهل نعتبرها مساحة آمنة نحبها ونرتاح فيها أم ننفر...