الاثنين، 26 يوليو 2021

ما تعلّمته من محاولات مُساعدة النفس








أعيشُ منذ عدّة سنوات مع القلق المَرَضي، أو ما يُعرف باضطراب القلق المُعمّم (Generalized anxiey disorder). أقول أعيش ولا أقول أُعاني لأنني في مرحلة من التعايش مع الاضطراب الذي قلّت علاماته وآثاره عليّ بشكل كبير بعد جلسات العلاج، ذهبت مرتين منفصلتين لجلسات علاج معرفي سلوكي، دامت كل فترة عدّة أشهر. بعد المرّة الأولى تخلّصت من نوبات الهلع بنسبة 95% حتى أنني في أول سنة ونصف بعد الجلسات نسيت أنني مريضة بالقلَق ونسيت أنني قد عانيتُ مُسبقًا من أية نوبات.. ولله الحمد. بعد ذلك احتجتُ للمساعدة النفسيّة عندما مررت بمرحلة انتقاليّة وصل القلَق فيها إلى أقصاه، دامت الجلسات حوالي ستة أشهر، خرجتُ منها بنُضج نفسي أكثر، ومعرفة أكثر بنفسي وكيف أعتني بها وأُعينها.

كنت ولا زلت أنصح الكثيرين بأن يخوضوا تجربة العلاج النفسي أو الحديث مع مُختصّ عن مشاعرهم وأحداث حياتهم التي تُشعِرهم بقلّة الحيلة أو الرغبة في الاستسلام أو عدم الاستمتاع بشيء أو مشاكل النوم وغيرها من الأعراض.

أُشارككم في هذه التدوينة بعض النقاط التي توصّلت إليها بعد سنوات من محاولات مُساعدة النفس الناجحة وغير الناجِحة، عسى أن يكون فيها الفائدة ورُبّما تحفّز أحدكم لتغيير حياته 🌸🌸


-في رحلة التغيير ومساعدة النفس، يحتاج أحدنا عزمًا وصبرًا من داخله ودعمًا وحُبًا وتفهُّمًا ممن حوله.


-لن تكون الظروف مؤاتية 100% لرحلة الاستشفاء، ولكن بالعزم والصبر والاستمرار ستتمكّن من التقدّم.


-لا يُحِب أحدنا شرح نفسه، خصوصًا إذا كان مريضًا أو مُصابًا باضطراب يُزعزع سلامه الداخلي واستقرار روحه. لكن، أظن أنّ حلاوة أن نجد مَن يفهمنا ويساندنا تستحق أن نتذوّق قبلها مُرّ التحدّث عن حقيقة ما نُعانيه.


-لا تخف من طلب المساعدة والمُساندة، يُقال: إن الحب والاهتمام لا يُطلبان، لا والله.. الاهتمام والدعم يُطلبان في مواضع كثيرة والذي يقابلنا، حتى وإن كان يُحبنا كثيرًا، لا يملك أن يقرأ ما في قلوبنا وعقولنا ويحلل ما نريد ونتمنى ونتوقع عنه ومنه.


-التوقّعات ثم التوقّعات ثم التوقّعات! إلى سلّة المُهملات

في كل مرة يقفز إلى رأسك توقّع عن الشخص المُقابل: والديك/ زوجك/أخيك... ذكّر نفسك أن توقعك مجرّد خيال وفكرة في رأسك وحاول التعرّف على الشخص الذي يهمّك أمره، وكيف يتعامل معك ويتصرّف في أحداث حياته.
إذا وجدت نفسك غارقٌ في توقعاتك عن أحدهم، غير قادر على تقبّله كما هو، تقبَّل حقيقته، اقضِ وقتًا واعيًا مع نفسك، حدِّثها، أو اكتب (أنا مُروّجة جيّدة للكتابة، فالكتابة سحر).. ما هي صفاته الجيّدة، المواقف الجيّدة بينك وبينه، الصفات التي لا تُحبّها، وتوقّعاتك عنه (ماذا تتمنّى منه)، الآن انظر الصفات التي تُحِب والتي لا تُحب والمواقف الجيّدة وحتى الذكريات السيئة التي لم أقترح عليكَ كتابتها، هذا الخليط كله من الجيّد والسيء، الخير والشر، الحب والشك، السعادة والحزن، الخيبات والمُفاجآت.. هذا هو الإنسان الذي أمامك، الكائن البشريّ الكامل، القمر ذو الوجهين بطبيعته، وتلك التوقّعات في أسفل الصفحة هي محض خيال وحبر على ورق وأفكار تدور في رأسك، هذا شخص خيالي لا يمتّ للإنسان الحقيقي بصِلة. الآن اسأل نفسك، هل ستبقى تعيش مع الصورة الخيالية وتغرق كل ساعة في خيبات الأمل وحزن التوقعات أم ستساعد نفسك على التعرّف على الشخص الذي أمامك وتقدير حسناته وتقبّل سيئاته كجزء لا يتجزّأ من بشريّته؟
أعلم أن التخلّص من التوقّعات صعبًا، وقد يكون مستحيلًا، لكنّي متيقّنة أن محاولة الموازنة بين كثرة التوقّعات والتعرف على الشخص المُقابل وتقبّله ستجعل علاقتنا بمَن هم حولنا أفضل.

-القسوة على الآخرين والقسوة على الذات

في عِدّة مواقف، وجدت أن الذي يقسو على نفسه ولا يقبل منها الخطأ والزلل، يقسو على الآخرين ويحكم عليهم ويؤنبهم ويوبّخهم، وأيضًا يتوقّع من الآخرين أن يُحاسبوه على كل شيء ويوبّخونه، ما العمل؟
الأمر بسيط، كُن رحيمًا مع نفسك، تقبّل طبيعتك البشريّة الخطّاءة، وهذا لا يتعارض مع نبذ الخطأ ورفضه. قد يأخذ الأمر بعض الوقت، اعطِ نفسكَ فرصة واستمر بالتدرّب.. حتمًا ستصل للطف مع نفسك والآخرين، ومع بعض الجرأة والحزم اللطيف ستتمكن من إيقاف تقريع الناس لك.. أيضًا، أو ربما.. وهو الأهم، لن تتأثر كثيرًا بتقريعهم.


-نقطة أخيرة، تذكّرها في حال بادرت وذهبت لجلسات العلاج:
غالبًا في اللحظة التي تشعر فيها أن جلسات العلاج مضيعة لوقتك ونقودك، وأنك لم تستفِد شيئًا وأن الكلام الذي تقوله لمُعالجك والقصص التي تقصّها عليه لا يساعدونك في رحلة التغيير التي تنشد، غالبًا ما تكون قد اقتربت من ملامسة مُسببات اضطرابك وتعبك، فعليكَ بالصبر والاستمرار في الجلسات. واعلم أن رحلة التغيير ليس لها نهاية، هي طريق ما إن تبدأه حتى تدرك أنك تحتاج أن تستمر في السعي فيه، ربما تكون هذه الحقيقة مُرّة بعض الشيء لكنك بعد أن تصبح صديقًا مُحِبًّا لنفسك ستتمكن من الصبر على السعي والاستمرار فيه، بل قد تجد فيه أحب الرحلات وألذ المشقّات ~


في الختام،
أتمنى لكم الصحة والراحة، أتمنى أن تجدوا مَن يأخذ بأيديكم دومًا كلما حاولتم مُساعدة أنفسكم، وأتمنى أن تكونوا قادرين على العناية بأنفسكم والتواصل معها بشكلٍ جيّد أو أن تصلوا لهذه المرحلة قريبًا 🌸

رُكنِي الدافِئ

هذه التدوينة نتيجة إلهام من منشور الصديقة فاطمة الزهراء 💖 حين سألَت عن شعورنا تجاه غُرفنا وهل نعتبرها مساحة آمنة نحبها ونرتاح فيها أم ننفر...