الجمعة، 13 ديسمبر 2013

رحلة لمستشفى علاج الإدمان - الجزء الأول/٣

في مارس الماضي كانت لدينا دورة في الجامعة بعنوان: طب الإدمان، وكانت عن إدمان الكحول فإدمان الكحول من أكثر الأمراض -إن أحسنّا تسميته- انتشاراً في بولندا، وحتى حين نسأل عن بولندا نُجاب بأنها معروفة بكثرة شرب أهلها للكحول، في هذهِ التدوينة وما بعدها تجدون قصصاً لمرضى قابلناهم أو سمِعنا عنهم في أيام الدورة.

في اليوم الأوّل، ذهبنا لمُستشفى علاج الإدمان، في طريقنا لمكان الدرس صعدنا على درجٍ مُسوّر بسور عالٍ، وصلنا للطابق الثاني، الباب مُقفل، فتحتهُ لنا إحدى العامِلات في المشفى، دخلنا للممر مُتجهين لغرفة الدرس ومن كل جهة هُناك بابٌ مقفل بِعناية، رحّبت بنا الدكتورة وابتدأت الدرس بسؤال: ما هي أنواع المشروبات الكحولية التي تعرفونها؟ ثم أخذت نظرة سريعة على الطلاب وقالت: أعلم أن بعضكم لا يشرب الكحول وقد يكون الكحول من الممنوعات في بلده :)
ثم بدأت بالحديث عن الكحول وآثاره العامة على الجسم إن شُرِب بجُرعات " عادية " ، ثم عرجت على قصصٍ عن تأثير تغييب الكحول للعقل وعن شرب الكحول بشكلٍ عام:
القصة الأولى كانت لشاب ثلاثيني يمتلك وظيفة مرموقة، مُتزوج وله أولاد وحياته الأُسريّة في أحسنِ حال، أقدم وهو تحت تأثير المُسكِر على قتل أم زوجته! فسُجِن لعدة سنوات وفقد عمله وطلبت منهُ زوجته الطلاق وأخذت حضانة الأولاد، وصارت حياته بعد ذاك اليوم مُختلفة تماماً عمّا قبله، كان في أحسن الأحوال وصار في أسوأها
قصة أخرى لطبيبة تشرب الكحول بكثرة، تقول المُحاضِرة: قلت لها مِراراً، أنتِ طبيبة وتعلمين مدى تأثير الإدمان على جسدكِ فلِمَ تسعين بنفسكِ للدمار؟ فتجيبني بأنها تعلم خاتمة أمرها لكنها لا تهتم لذلك، وبالفعل هي الآن تُعاني من التهاب الكبد الوبائي (ج) وحالتها حرِجة جداً ولا زالت مُدمنة على شِرب الكحول!
حدثتنا الدكتورة بأن هُناك نسبة عامة لشرب الكحول بحيث لا يؤثر كثيراً على الصحة وهناك نِسب خاصة بأصحاب بعض الأمراض والحالات الصحيّة فتكون نسبة الكحول المُناسِبة لهم أقل من نسبة الكحول المناسبة للآخرين، وأن بعض المرضى اللذين يزورونها يُخبرونها بأنهم اكتفوا بشرب كأس واحد (على سبيل المثال) مما يعني أنهم لم يشربوا الكثير ولكن تبعاً لحالتهم الصِحّية هم شربوا الكثير. عاودت إخبارنا بالقصص:
كان أحدهم في حفلة وكان هو و كُل مَن في الحفلة في حالة سُكْر، تحدّاه أحد الموجودين أن يشرب كأساً من الكحول النقي " إيثانول " وشربه كله فسقط ميتاً على الفور لكثرة الكحول التي شربها وبالتالي كثرة السموم في جسمه! تقول: الكل كان في حالة سُكر، ولأنهم تأخروا حتى صحوا مِن سُكرهم ولاحظوا سقوطه على الأرض فقد رحَل وهم لم يشعروا به، ربما كان بالإمكان إنقاذه لكنهم تأخروا حتى لاحظوه

- حان وقت الإستراحة، أخذَتنا لكافتيريا المُستشفى، فيها يأكل الأطباء والمرضى وزائروهم، ونحن ذاهبون للكافتيريا مررنا على كنيسة خاصة بالمرضى فقلتُ في نفسي: في كل مكانٍ وزمان، العِبادة من أجمل العلاجات وأهمها، ثم مررنا على غُرفة تحتوي على أجهزة رياضية خاصة بمُرتادي المسستشفى أيضاً، تساءلتُ في داخلي إن كانت غرفة كهذه موجودة في مستشفياتنا النفسية أو مستشفيات عِلاج الإدمان أو حتى في المستشفيات العادية 

انتهت الإستراحة لنُقابِل أحد نُزلاء المستشفى، شاب ثلاثيني، لا يُشبه المدمنين الذين نراهم في المسلسلات الخليجية ^^" ، طويل القامة ذو بطنٍ كبير، ألقى علينا التحيّة وجلس، كان يتحدّث بالبولندية والدكتورة تُترجم لنا حديثه وتترجم له أسئلتنا، طلبَت منه أن يتحدث عن قصة إدمانه وقدومه للمستشفى: إنه يومي الثالث في هذا المصحّ، لولا صديقتي لما أتيتُ إلى هُنا، وجودي في هذا المكان وسط المرضى والمُدمنين يُشعرني بالسوء، أنا لستُ مثلهم، هُم مرضى نفسيون ومدمنون وأصحاب سوابق - أخذ يبكِي - ثم أكمل حديثه: بدأت قصتي قبل سنة، حين توفى أخي المُراهق مدمن الكحول مُنتحِراً، فبدأتُ بشرب الكحول في نهاية كل اسبوع، أبدأ بالشرب من مساء يوم الجمعة حتى مساء يوم الأحد، ثم تطوّرت المسألة حتى صرتُ أشربه في وسط الاسبوع وذهبتُ لعملي عدة مرات في حالة سُكْر فطُرِدت منه، قبل ٣ أيام حاولتُ الانتحار ووقتها اتصلت صديقتي بالإسعاف وأخبرت المشفى أنني مدمن كحول وأحتاج إلى علاج فأرسلوني إلى مشفى علاج الإدمان وأيضاً ابتدأتُ علاجاً نفسياً لأنني مصاب بالإكتئاب، ثم بدأنا بتوجيه الأسئلة:

- هل لي أن أسألك إن كان أحد أفراد عائلتك مدمن كحول؟ غير أخيك طبعاً
* لا، فهم يشربون الكحول في المناسبات فقط
- هل حاولت أُسرتك أو صديقتك مُسبقاً مُساعدتك في التخلّص من الإدمان؟
* صديقتي كانت تحاول بشتى الطُرق أن تُبعدني عن طريق الإدمان بلا فائدة، حتى أنها حاولت أن تتركني لكنني لم أُبدِ رغبة في تركِ ما أنا عليه حتى حاولتُ الانتحار وجرى ما جرى
- مالذي تفكر في فِعله بعدما تنتهي من علاجك؟
* سأتزوج صديقتي التي ساعدتني في التخلص من هذا الداء المُخجِل! وسأبحث عن عمل أكتسب منه الرزق
- كلمة أخيرة
* أريد أن أُنهي علاجي بأسرع وقت ممكن فأنا لا أطيق الجلوس وسط هؤلاء المرضى، هذا ليس مكاني، كل مَن حولي مدمنون وأصحاب مشاكل وجرائم، أنا لستُ مثلهم، أنا أفضل من أن أقضي حياتي وسط هذا المكان الشبيه بالسجن.
انتهينا من تقديم الأسئلة، ودّعناه وخرجنا

حتى هُنا انتهى الجزء الأول من هذه التدوينة، أُرحّب بتعليقاتكم وأسئلتكم وانتقاداتكم البناءة لطريقة الكتابة :)
انقروا هنا لقراءة الجزء الثاني

هناك 4 تعليقات:

  1. قصص اليمة ، ولكنها قد تكون درسا لنا..
    الاسلوب القصصي اكثر من رائع ، والوصف الدقيق لبعض التفاصيل مذهل..
    استمتعت كثيرا بهذه الحكايات الحزينة ، وهنا تكمن المفارقة العجيبة ، وهي المتعة على نزف الحروح ، ولكنها الكتابة وما تفعل
    شكرا لك
    فاضل العماني

    ردحذف
    الردود
    1. شكراً لمرورك أستاذ فاضل، أسعدني تعليقك :))

      حذف
  2. سندس,
    حكايات الجانب المظلم لأي دولة غربية عادةً ما تكون صادمة بسوداويّتها, كونها تتضاد مع الفكرة المثالية المأخوذة عن "الغرب".. كوني لنا المراسة هناك, فكتاباتك تتسلل سريعًا إلى دواخلنا.. تحياتي لك ودعواتي

    ردحذف
    الردود
    1. صحيح محمد، لاحظت صدمة البعض لما أحكي لهم عن هكذا قصص وكوني من الناس اللا ما يحبون تمجيد الغرب مُقابل تسقيطنا كشرقيين فأحب أوصل لأهلي وناسي فكرة إن الغرب مو ملائكة زي ما إحنا مو شياطين.
      شكراً محمد، وجودك أسعدني =)) (f)

      حذف

رُكنِي الدافِئ

هذه التدوينة نتيجة إلهام من منشور الصديقة فاطمة الزهراء 💖 حين سألَت عن شعورنا تجاه غُرفنا وهل نعتبرها مساحة آمنة نحبها ونرتاح فيها أم ننفر...