الأربعاء، 18 ديسمبر 2013

رحلة لمستشفى علاج الإدمان - الجزء الثاني/٣

في مارس الماضي كانت لدينا دورة في الجامعة بعنوان: طب الإدمان، وكانت عن إدمان الكحول فإدمان الكحول من أكثر الأمراض -إن أحسنّا تسميته- انتشاراً في بولندا، وحتى حين نسأل عن بولندا نُجاب بأنها معروفة بكثرة شرب أهلها للكحول، في هذه التدوينة وما قبلها وما بعدها تجدون قصصاً لمرضى قابلناهم أو سمِعنا عنهم في أيام الدورة.

في اليوم الثاني، قابلنا رجلاً في نهاية الثلاثينات، قضى عشرين عاماً من عمره بين جنبات المُسكرات والمُخدرات، يبدو غير آبِهٍ لما آل إليه، يتحدث عن قصته المأساوية وكأنها بُطوليّة! يقول: إنهُ اسبوعي الثاني في هذا المشفى، لا أعلم إن كان سيُقدّر لي هذهِ المرّة أن أُنهي علاجي أم لا ولا أدري من أين يجب أن أبدأ بقص حكايتي، عشتُ خمسة أعوامٍ من عمري مع والِديْن مدمني كحول ثم ذهبا بي إلى جدّتي كي ترعاني ولم أرَ والِدِي بعدها حتى بلغت السابعة عشر، أذكر أنني كنتُ سعيداً جداً بعودة والدي للمنزل وحدّثتُ نفسي بأنها فرصة لتكوين علاقة معه لكنه لم يُعطِني أدنى فرصة للتقرب منه وسُرعان ما عاود الغياب، وقتها ابتدأت بشرب الكحول ثم تعاطيتُ الهيروين وعملتُ في ترويج المخدرات لحوالي السنة بعدها سُجِنت، وأنا في السجن قررتُ أن أترك ما أنا عليه ولا أُعاود السير في ذات الطريق إلا أنني خرجتُ بشهيّة أقوى لشرب الخمر وابتدأتُ بتعاطي الحشيش، ثم تعاطيت نوعين آخرين من المخدرات مع الشرب الدائم للكحول هذه قصة إدماني بإختصار، وعلى صعيد حياتي الشخصية، قبل حوالي السبع سنوات أو أكثر تزوجت وانفصلت وقبل أربع سنوات كانت لي علاقة بإحدى مدمنات المخدرات نتج عنها ابنة، أعتقد بأن هذا كل ما لديّ لأقوله.
ثم بدأنا بتوجيه الأسئلة:
- تقول بأن صديقتك (أم ابنتك) كانت مدمنة مخدرات أيضاً، ماذا عن ابنتكما؟ هل أصابتها تشوّهات خلقية أو أمراض متعلقة بإدمان والديها للمخدرات؟
* لا، فأمها تركت تعاطي المخدرات مُذ علِمت بأنها حامل
- هل هُناك أفراد آخرين من عائلتك يتعاطون المخدرات أو يدمنون شرب الكحول؟
* نعم، أختي مدمنة كحول وأحد أقربائي مدمن مخدرات، هذا القريب سكن معي فترة من الزمن خلال دراستي الجامعية لذلك عائلته تلقي باللوم عليّ ويقولون بأنني مَن ساقه إلى الإدمان
- هل أنهيت دراستك الجامعية؟
* نعم
- أنّى لك النقود التي تصرفها على الشرب والمخدرات؟
* والديّ يرسلان لي النقود مُذ كنتُ صغيراً حتى قبل عدة سنوات، وأيضاً من عملي كمُنسّق حفلات
- هل هي زيارتك الأولى لمستشفى علاج الإدمان؟
* هي المرة الأولى التي آتي بها طوعاً والمرة الخامسة إن عددنا تلك المرات التي أتيتها بإجبارٍ من عائلتي
- خمس مرات! كيف تعود للإدمان بعدما تتعالج في كل مرة؟! ومالذي يؤكد لكَ أنك لن تعود لما كنت عليه بعد هذهِ المرة؟
# قاطعتنا الطبيبة بقولها له: تعلمُ أن حالة كبدك المصابة بالالتهاب الوبائي (ج) متقدمة جداً وأنّ أي تراجع عن العلاج أو هروب من المصح سيُكلفك حياتك؟
* نظر في الطبيبة وأجابها: نعم أعلم، ثم أدار بوجهه ناحيتنا وقال: في المرة الأولى، وبعدما تماثلتُ للشفاء وغادرت السموم جسمي، خرجتُ من المشفى ورجعت للشرب في نفس الليلة فأنا لا أطيق رؤية شاربي الكحول دون أن أُشاركهم. أما عن المرات الأُخريات فدخولي للمصح لا يعني أنني سأخرج منهُ معافى، قد أهرب وأنا لم أُنهِ مدة العلاج بعد. وهذه المرة، لا أعلم لكنني لطالما أردت العناية بإبنتي، لا أريد لها العيش بلا أب
- هل تزورك ابنتك؟ كيف هي علاقتك بها؟
* علاقتي بها جيدة، وهي تزورني وأزورها وإن لم نتمكن من ذلك نستبدل الزيارة بمحادثة على الهاتف
- كلمة أخيرة
* أتمنى أن أتمكن من إتمام علاجي
خرجنا من المشفى ونحنُ شبه متأكدين من أنه لن يكمل العلاج وأن حديثه عن ابنته لا يعني بالضرورة أنه سيُجاهد رغباته من أجلها، أعني، هذا ما بدا لنا من طريقة حديثه اللا مُبالية

انقروا هنا لقراءة الجزء الأول
وهُنا لقراءة الجزء الأخير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رُكنِي الدافِئ

هذه التدوينة نتيجة إلهام من منشور الصديقة فاطمة الزهراء 💖 حين سألَت عن شعورنا تجاه غُرفنا وهل نعتبرها مساحة آمنة نحبها ونرتاح فيها أم ننفر...