السبت، 28 ديسمبر 2013

رحلة لمستشفى علاج الإدمان - الجزء الثالث والأخير


في مارس الماضي كانت لدينا دورة في الجامعة بعنوان: طب الإدمان، وكانت عن إدمان الكحول فإدمان الكحول من أكثر الأمراض -إن أحسنّا تسميته- انتشاراً في بولندا، وحتى حين نسأل عن بولندا نُجاب بأنها معروفة بكثرة شرب أهلها للكحول، في هذه التدوينة وما قبلها تجدون قصصاً لمرضى قابلناهم أو سمِعنا عنهم في أيام الدورة.


هذه المرّة قابلنا مُتعافٍ من أذى الإدمان، قابَلَنا بوجهٍ مبتسم، رحّب بنا وعرّف عن نفسه، كان يتحدث الإنجليزية بطلاقة، ابتدأ حديثه بقوله: الإدمان هوَس والهوَس قد يكون بأي شيء، بمشروب، بمُخدِّر، بشخص، بفعل، بأي شيء، لولا أنني أُريد إفادتكم لما تحدثت عن ماضيّي الغير مُشرِّف فأنا لا أودّ تذكر تلك المرحلة من حياتي فقد كنتُ فيها مُصاباً بأكثر من إدمان ومهووساً بأكثر من شيء، من ضِمن الأشياء التي أدمنتها: الخمر، فكنتُ أعيش يومي كله غائب الذهن مهموماً حزيناً لا أنا قادرٌ على تركه ولا على الاستمرار في شربه، حتى عرفتُ عن مُنظّمة تساعد المدمنين في التخلص من إدمانهم والتحقتُ بها وكان العلاج فيها على مراحل وهو عِلاج نفسي وروحي بشكل خاص تتخلله جلسات دوائية ورِعاية طبيّة، ويتم بإجراء لقاءات أسبوعية مع مجموعة من المُبتَلين والمُتعافين وهو مُقسّم لأكثر من مرحلة:
في المرحلة الأولى: نذهب إلى الاِجتماع لنستمع إلى الأحاديث التي تُدار ولا يُسمح لنا بالمشاركة في الحوار إن كُنّا تحت تأثير المُسكِر أو كُنّا قد شربناه للتو حتى وإن كانت الكمية بسيطة
المرحلة الثانية * تبدأ حين نهجر المُسكِر ونترك شربه لنُشارك بشكل فِعلِي في الاجتماعات والحِوارات
* هذه المرحلة تكون بمُساعدة مستشفيات علاج الإدمان.
المرحلة الثالثة تكون بتغذية الجانب الروحي، بالعِبادات - صمتَ قليلاً وألقى علينا نظرة ذات مغزى ثم أكمل حديثه مُسترسِلاً : - أنا لا أُريد أن أتحدث عن مفهوم الرب عندكم ولا أريد أن أُشعِركم بشعور سيء أو ما شابه لكنني أريد أن أخبركم بحجم الراحة التي ملأت قلبي حين غذّيتُ روحي بالتعلّق بربّي، بالحديث معه، باِستِشعار وجوده، عرفتُ وقتها بأن ضياعي في السابِق كان بسبب ابتعادي عن ربي، عرفتُ أن كل الدوامة التي دخلتها وكل فعلٍ فعلته بقصد الهروب من الواقع كان في الحقيقة بسبب عدم معرفتي بالرب العظيم الذي يرعاني بيدِه الخفيّة ويهتم بي حتى وإن لم أُعره أي اهتمام، أنا سعيدٌ جداً لأنني أدركت وجود الله حولي ورعايته لي فهذا يُشعرني بالراحة، بالإطمئنان، بالأمان، وأيضاً.. أودّ أن أخبركم بشيء، لا تقولوا بأن الوقت تأخر لفعل شيء ما، لتصحيح مسارٍ ما، فدائماً هُناك متسعٌ من الوقت للتغيير للأفضل =)
أما المرحلة الرابِعة فهي مرحلة اكتشاف الذات، فيها ننظر في أنفسنا لنرى إلى ماذا تميل وماذا تمتهن وتُحِب وتهوى، ننمي هواياتنا ومهاراتنا ثم نبحث عن مصدر لكسب الرزق حتى نعيش حياة كريمة لا نحتاج فيها إلى أحد
المرحلة الخامسة هي المرحلة التي أعيشها حالياً، وهي مرحلة ما بعد العِلاج، مرحلة الراحة والسعادة، المرحلة التي نسعى فيها لإثبات مقدرتنا على البقاء من غير مُسكرٍ ولا غيره من الأشياء التي عكّرت صفو حياتنا، وأيضاً، لا زلنا نلتقي ببعضنا البعض ممن تماثل للشفاء ومَن هم في طور العِلاج
شكرنا للإنصات وودعنا بإسلوب لبق ولطيف ودعا لنا بالتوفيق في دراستنا الجامعية :)
كانت هذهِ آخر المدونات المتحدثة عن زيارتنا لمستشفى علاج الإدمان، شكراً لكل مَن وهبني بعضاً من وقته حين قرأ ما كتبت أو علّق عليه وشكراً لمَن بيّنوا لي بعض الأخطاء الكتابية التي كنتُ في غفلة عنها.
انقروا هُنا لقراءة الجزء الأول
وهُنا لقراءة الجزء الثاني

هناك تعليقان (2):

  1. رائعة جداً هي أدبيتك في سياقة الجُمَل ووصف الحالة للمرضى بدقة. ما حكيتي من قصص ,كُلها مُؤثره ,مأساوية وفيها من العِبر والمواعظ . رسالتك واضحة من جانبها الايجابي , لاسيما من جانبها الروحي حيث ما زال الامل والثقة بالله.
    استمتعت كثيراً بقرائتها ^_^ . استمري فهناك مستقبلاً لك في عالم الروايات.

    ردحذف

رُكنِي الدافِئ

هذه التدوينة نتيجة إلهام من منشور الصديقة فاطمة الزهراء 💖 حين سألَت عن شعورنا تجاه غُرفنا وهل نعتبرها مساحة آمنة نحبها ونرتاح فيها أم ننفر...