الأحد، 14 يناير 2018

ماذا اكتسبتُ من العيش وحدي؟

عشتُ معظم أيام السنة لوحدي.. لسنوات، في البداية لم يكن الأمر سهلًا وكنتُ أحتاج لعدة مكالمات طويلة مع أخواتي كي أبقى على قيد الحياة، وأعني بالبقاء على قيد الحياة ليس فقط التنفس والقلب النابض.. لا، أعني بذلك التمسك بالأمل والحماس، بالرغبة في فعل أشياء جديدة والاستمرار في مزاولة أساسيات حياتي بدءًا من الطبخ وترتيب البيت وتنظيفه حتى المذاكرة والذهاب للجامعة.
هنا عرفتُ نفسي، وهنا حاولت تهذيبها وتطويرها، وهنا فشلت في التخلص من بعض عاداتي وسيئاتي، وهنا اكتسبتُ عادات جيدة/ كبرت/ نضجت/ وتخلصت من بعض الجوانب التي لا أحب في شخصيتي. هنا حاولتُ أن أكون المثال الأسمى، وهنا تعلمتُ أن جمالي في طبيعتي وبشريّتي التي تحمل جانبين يكمل أحدهما الآخر: السيئات والحسنات، فتخليت عن نية السمو الفارغ المؤذي للنفس، ورأيت في السعي للتخلص من شوائب الروح سمو، وفي محاولات اكتساب الصفات الحسنة سمو، وفي المحافظة على الخير في داخلنا سمو.
أدركتُ معنى أن تكون مجرد زائر في الدنيا وترحل فجأة، ليس فقط لأنني فقدت من أُحِب بوفاتهم، لكن.. لأنني ذقت طعم الوحشة بعد ساعة واحدة من مغادرة أحد أفراد أسرتي/ صديقاتي المقربات من بيتي، لأنني جربت أن أندم لسوء تعاملي مع أحدهم.. وكنت حساسة جدًا لهذا الأمر لأنه للتو خرج من منزلي -فتمنيتُ لو عاملته بالحسنى فزيارته قصيرة-، لأنني رأيت كيف تتغير أحوالنا بين عشية وضحاها، كيف يبتعد هذا وذاك قبل أن نصارحهم بما نحمله لهم في صدرنا من خيرٍ وحب كثيرين.
تعلمتُ أن عائلتي أولًا، وأن طريق الحياة الصعب يزهر برفقة الصديق وأن الوحدة أفضل بكثير من رفيق السوء.
صرتُ صديقة نفسي، وأحببت نفسي أكثر وأكثر. وأدركتُ جيدًا مدى تأثير ذلك على كل جوانب حياتي، فالذي يحب نفسه يحافظ عليها، يسعدها، يهذبها ويسمو بها، الذي يحب جسده يحافظ عليه، يأكل جيدًا وينام جيدًا فآلام الضعف والمرض إذا زارته لن يشعر بها أحد غيره، وحده سيقاسيها ولو كان مُحاطًا بعشرات الأشخاص. الذي يحب نفسه ويرى تعبًا أو أرقًا أو قلقًا لا ينتهي يجب أن يسارع لعلاجها بنفسه أو بمساعدة من يحب أو بالذهاب لمعالج/طبيب نفسي، الذي يحب نفسه يحافظ على علاقته مع من يحب، ويحافظ عليهم وعلى صحتهم ومصلحتهم، الذي يحب نفسه يبعدها عن ما يحزنها -إن استطاع-، والذي يحب نفسه لا يحصر تفكيره في العالم الدنيوي فقط ولا في لحظة ما.. بذاتها.
الذي يحب نفسه يراها من جميع الجوانب فيرضى بها، ولا أعني بالنفس.. الروح فقط، فأنا هنا أنظر للشكل/ لطريقة العيش/ للجانب الروحي/ للدراسة/ للهوايات/ للحياة الإجتماعية والعلاقة مع الآخرين أقرباء كانوا أم غرباء... إلى آخر القائمة، عندما تنظر لنفسك ككل لن تحقّرها لأنها فشلت في الدراسة فقط بينما ربحت في الجوانب الأخرى/ أو لأنها لم تتميز بالذكاء الإجتماعي بالرغم من نجاحك في عملك أو غيره.. أعني هنا، حين تنظر لنفسك ككل، وتهتم لنفسك ككل، وتطور هذا اليوم وتطور ذاك غدًا، تفرح بجانبك هذا ولا يعجبك جانبك الآخر ستشعر ببشريّتك، وستقتنع بأنك لن تكمل أبدًا، لكنك لست فاشلًا أو ناقصًا تمامًا.. وستحبك أكثر. *
كنتُ ولا زلت، لا أبتعد أولًا، ولا أغادر دون عذر واضح، ولا أجامل أو أنافق. الذي أحبه أبقى معه، وأستمر في التواصل والسؤال عنه والذي لم أعد أشعر بأن وجوده مهم في حياتي أو أن وجوده مزعج ومؤذٍ لي فأبتعد عنه بالحسنى -قدر استطاعتي-.
آمنت بأن لكل شخص في حياتنا وقتٌ معين، لا أحد يرحل مبكرًا. وأننا يجب أن نتذكر الجانب الإيجابي من كل شخص وكل علاقة، وإذا أراد أحدهم مغادرتنا فليذهب بسلام.. ونعم يهمني أن أعرف أسباب رحيله لكنني أعلم أنه لا يجب عليّ أن ألحقه وأجرّه من يديه كي يبقى معي.


~ كل ما في الأمر أنني كنتُ أود التعبير عن رغبتي في الجلوس لوحدي بعد يومي الطويل، لذلك لم أنم قبل ساعتين.. فلم أنتبه إلا وقد كتبت كل هذه التدوينة :)
كان من المفترض أن أكتب شيئًا كهذا: لأنني اعتدتُ على العيش وحدي فقد صرت أحرص على الجلوس لوحدي في نهاية كل يوم أقضيه برفقة أهلي أو صديقاتي... على الأقل ساعة كاملة قبل النوم أقضيها بلا هدف ولا عمل ولا شيء.. لوحدي، وأشعر أن يومي ناقصًا بدونها.

* الكلام أعلاه لا يعني أنني أحظى بالسلام النفسي والرضى التام، كل ما في الأمر أنني تقبلت المد والجزر بداخلي واقتنعتُ أنهما جزء لا يتجزأ من بشريتي وأنني أتفهم نفسي أكثر من ذي قبل إذا ضعفت/ فشلت في شيء ما/ أخطأت. وفي هذا راحة لي وتخفيف من قلقي وتوتري وحدة لومي لنفسي.

** سؤال: كم مرة قلت نفسي في التدوينة؟ :p

هناك تعليق واحد:

  1. جميل جدا هي كيفية تحويل نقاط الضعف الى نقاط قوة وكيفية تقبل الذات بما فيها من مساوئ وحسنات وتقبل الاخطاء الماضية والاعتراف بها
    وتسريح بعض الاشخاص الذين كانوا يمثلون الكره فيهم ومسامحتهم لكي نصل الى الاتزان النفسي وايضا تسريح الشخص الوحيد الذي كنت تعتقعد بانه يمثل كل شي بحياتك من سرور لكي توقف هذا الالم ايضا وترجع الاتزان النفسي العاطفي يجب ان تسرحه وتطلقه وتتمنى له الافضل حتى ولو لم يكن معك لانك تحبه
    بهذا تكون ازحت اكثر الأشياء اللتي تثقل الكاهلين من حملك

    ردحذف

رُكنِي الدافِئ

هذه التدوينة نتيجة إلهام من منشور الصديقة فاطمة الزهراء 💖 حين سألَت عن شعورنا تجاه غُرفنا وهل نعتبرها مساحة آمنة نحبها ونرتاح فيها أم ننفر...