الخميس، 18 يناير 2018

مذكرات طالبة طب (٤) | مستشفى الطب النفسي

اليوم قابلنا مريضتين، الأولى في الثمانين من عمرها والثانية لها من العمر ٣٩ سنة.
سألنا الأولى عن حياتها: كل شيء في حياتي يعجبني (بعيدا عن الحالة الصحية) فأنا لديّ أصدقاء وعائلة يحرصون على سعادتي وراحتي، أذهب للنادي يوميًا، أحضّر العشاء لأصدقائي في الليل، أحفادي يزوروني بإستمرار، لا أريد أن أغير أي شيء في حياتي الحالية. ولكن تمنيت لو أنني غيرت تخصصي، ولم أُكمل في التخصص الذي أجبروني عليه.
- ما هو تخصصكِ؟
* مهندسة
انبهرت! نظرت إليها بإعجاب وقلت مباشرة: وااااو!
سألناها ماذا كان من الممكن أن تكون لو لم تستمر في دراسة الهندسة
* مترجمة، فأنا أتقن اللغة الفرنسية وبدأت بالترجمة بالفعل لكنني توقفت بعد ذلك، وددت لو أنني استمريت في الترجمة وتعلمت لغات أكثر، قبل فترة طُلِب مني ترجمة أجزاء من الإنجيل إلى الفرنسية سعدتُ وشعرتُ بالرضا! 
في نهاية لقائنا سألتها إن كانت فكرت أن تتعلم اللغة العربية فقالت لي إنها فكرت في ذلك قبل سنوات عند زيارتها لسوريا، لكنها حين وجدت أن هناك لهجات عديدة للغة العربية شعرت بصعوبة تعلمها ولم تفعل
،
المريضة الثانية تحدثت كثيرًا عن المشاكل التي تعانيها في وظيفتها الحالية من مسؤوليات كثيرة وعمل متواصل على عاتقها، ومعاملة سيئة من قبل المسؤول عنها فهو يجدها أقل منه ويجد نفسه أفضل منها، هي تعمل كصحفية في كنيسة ما، رب العمل يظل يذكرها بالذنوب والآثام والعقاب، ويلزمها بتصرفات معينة سواء حال وجودها في الكنيسة وفي ساعات عملها أو بشكل عام في حياتها، فهو الذي نذر عمره لخدمة الرب... وهو الذي يعرف ما الصائب وما الخاطئ (أوضحت لنا أنها تؤمن بذلك)، وهي قد حلفت على الكتاب المقدس حين التحقت بالعمل بأن تلتزم بالقوانين وبالحفاظ على أسرار الكنيسة وغيره، تجد نفسها تعبت من كل هذه القيود، تشعر أنها في قفص
سألتها: ألم تفكري في تغيير وظيفتكِ؟
* نعم، بدأت في التفكير في ذلك
زميلاتي أيضًا علّقن على نفس النقطة، وفي نهاية حديثنا معها قالت أنها سعيدة لهذه الفرصة بالتحدث معنا وأنها تتمنى لنا التوفيق في دراستنا وحياتنا المهنية
قلت لها جملة أخيرة: الحياة أقصر من أن تبقي في مكانٍ لا تشعرين فيه بالراحة

..

الآن وأنا أراجع درس الطب النفسي وجدتني لا زلت أفكر في حديثهما، وكيف أن الصدفة جمعتنا مع الإثنتين في يوم واحد، ثمانينية سعيدة بحياتها رغم وضعها الصحي وتتمنى لو أنها غيرت وظيفتها حين كانت شابة، وثلاثينية تعاني من بيئة عمل سيئة ولم تغيرها لسنوات وهي مدركة أن لها تأثير على وضعها الصحي!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رُكنِي الدافِئ

هذه التدوينة نتيجة إلهام من منشور الصديقة فاطمة الزهراء 💖 حين سألَت عن شعورنا تجاه غُرفنا وهل نعتبرها مساحة آمنة نحبها ونرتاح فيها أم ننفر...