الأربعاء، 27 يوليو 2022

رُكنِي الدافِئ

هذه التدوينة نتيجة إلهام من منشور الصديقة فاطمة الزهراء 💖 حين سألَت عن شعورنا تجاه غُرفنا وهل نعتبرها مساحة آمنة نحبها ونرتاح فيها أم ننفر من قضاء الوقت فيها.

في العشر سنوات الأخيرة تنقّلت بين ٣ مُدُن وسكنت ٦ شقق مختلفة، في كل مرة كانت غرفتي هي مساحتي الآمنة.. وركني الهادئ الدافئ، وليس لشكل الغرفة علاقة بذلك، فأنا أسكن في شقق مستأجرة ولا تكون غرفتي دائمًا باللون والتصميم والأثاث الذي يعجبني. لكن بالتأكيد لديّ دائمًا ما أضيفه للغرفة من أثاث ولوحات أو حتى مفارش تجعل للمكان حياة، أشياء تُشبهني، ورغم اعتيادي على وجودها إلا أنها لم تفقد قيمتها المعنوية عندي.

في كتاب "What Dementia Teaches us About Love" تحدثت الكاتبة في أحد الفصول عن مفهوم البيت، وشعور أن تكون في مكانك وبيتك وحيث تنتمي، ذكرَت فيما ذكرَت أن ابنتها اعتادت أن تُخرِج حاجيّاتها من حقيبة السفر حين يسكنون فندقا ما، وترتبها في الغرفة وهذا يجعلها تشعر بالأُلفة مع المكان حتى وإن لن تطل مدة مكوثها فيه. سألتُ نفسي ما هي الأشياء التي أحرص على أخذها من مسكنٍ لآخر ويشعرني وجودها بالأُلفة مع المكان، وكانت هذه القائمة:

١. لمبة بجانب السرير





٢. لوحات القطط
اقتنيتها من رجل كبير في السن كان يبيع اللوحات والأعمال الفنية في مدينة تورون التي أُحِب من حوالي ٧ سنوات








٣. لوحة بإسمي، أهدتني إياها أختي بتول قبل حوالي ١٥ سنة





٤. زينة للأبواب
هدية خالتي لي قبل ٦ سنوات أو أكثر






٥. سجّادة شرقية للصالة، لا أشعر أنني في مكاني الدافئ إن لم أفرشها

أول الأيام في أي مكان دائمًا ما تكون صعبة، فالشعور بالوحدة والوحشة حاضرين بقوّة.. ثم إن النوم في مكان جديد يعيد لي مخاوف الطفولة وكل مشاعري التي لا أُحِب ساعة بزوغ القمر، لكن ما إن أبدأ بفتح الكراتين وتوزيع الأغراض وإحضار أشيائي التي أُحِب لغرفتي حتى تتبدد الوحشة شيئًا فشيئًا، ثم يومًا بعد يوم تُصبِح الشقة البارِدة المُوحِشة سكَنًا مُريحًا دافِئ، والمكان الغريب يغدو مألوفًا.

ماذا عنكم، هل تحبون المكوث في غرفكم؟ وهل لديكم حاجيّات ملموسة تجعل من الغرفة الباردة رُكنًا دافئًا؟

27.01.2022

الجمعة، 17 سبتمبر 2021

دعوة لصناعة المسرّات 💖

قررت ذات يوم كتابة قائمة بالأشياء التي تملأني بالسُرور، وقررت أن أُكثِر من فِعل هذه الأشياء حتى أكون سعيدة بشكلٍ عام، فإذا مررت بلحظات من السرور اليوم وأمس وغدًا والأسبوع الماضي، ألا يجعلني ذلك سعيدة وراضية بشكلٍ عام؟


كتبت القائمة:

- مشاهدة فيلم غنائي

- قضاء وقت مع أشخاص معينين

- تجربة طبق جديد لذيذ

- الحياكة والخياطة والرسم والأعمال اليدوية

- المشي بلا هدف

- البحر

- اللعب بالرمل

- المرجحانة (الأُرجوحة)

- ساعات من العناية بالجسد

.... والقائمة تطول


وجدتُ أن مُجرّد إعادة قراءة هذه القائمة يرسم البسمة على وجهي، وأُحاولُ أن أُذكّر نفسي بهذه القائمة كلما غرقت في زحمة الحياة الأكاديمية/ العمليّة/ الدراسية، علّني أُعيد البهجة إلى روحي بخلق لحظات سعادة جديدة 💫


إحدى النقاط هي الأرجوحة، في كل مرة أتأرجح أشعر بالفرح والسعادة وأضحك من كل قلبي، أشعر أنني طفلة 💖

وأيضًا اللعب بالرمل، الجميل في الموضوع أن مجرد اللعب أو المشي على الرمل لما يقل عن 5 دقائق ممكن أن يزرع فيّ شُعورًا بالفرَح وامتلاء بالحياة ليومين! أذكر مرة ذهبت للمنتزه الذي يبعد عن بيتي حوالي 20 د. تأرجحت، ضحكتُ  كثيرًا، ضحك قلبي ورجعت البيت، كنتُ قد صوّرتُ فيديوهات أثناء تأرجحي، كلما شاهدتها سَعِدتُ أكثر، وقفت للحظة.. سألت نفسي يا تُرى كم استغرقتُ في التأرجح حتى سعدت كل هذا الوقت؟ لم أستغرق حتى دقيقتين!

بقدر ما يكون الإنسان كائنًا مُعقّدًا، بقدر ما يبدو بسيطًا.. بسيطًا جدًا في بعض الأحيان.


عُرِفتُ وسط أهلي وصديقاتي أنني أنام في السينما، ذات مرة ذهب مع عقيلة أختي وزهراء صديقتي للسينما، نمت في وقت الدعايات وصحوت عندما أُضيئت أنوار القاعة بعد الفيلم، سألتهم: ماذا حدث؟ كيف كان الفيلم؟ من 6 سنوات حتى الآن وعقيلة وزهراء تتذكرّن الموقف وتضحكان. لكنّي قررت ذات مرة أن أكسر الروتين وذهبت للسينما لحضور فيلم علاء الدين، مع العلم بأني لستُ من متابعي ومعجبي ديزني، كان قلبي يرقص طوال الفيلم، وكنتُ في غاية الاستمتاع، لا لم أنعس ولم أنَم، وعدتُ سعيدة مُنتشيَة، أذكر أنني أدركتُ لحظتها أنني أحب هذا النوع من الأفلام، الأفلام الغِنائية.


حظيت في عام 2020 بساعات طِوال من الحياكة والخياطة، حِكت حقيبتين، كنزة، شال، بطانية وتدرّبت على التطريز، كما طرّزت هدايا العيد لجاراتي ولوحة بسيطة. ذكّرني هذا بكمية السعادة والرضى والشعور بالإنجاز اللذان يُرافِقان الأعمال اليدوية وبالأخص كل ما يتعلّق بالخياطة عندي، قررتُ أيضًا أن لا أتخلّى عن الخياطة والحياكة في المستقبل مهما انشغلت.


لاحظت أيضًا أن هناك أشياء لا أتشجّع كثيرًا أو أتكاسل عن الإقدام عليها وأُؤجلها كثيرًا لكنني أشعر بسعادة عارِمة إن أنجزتها، فاعتبرتها من مُسببات السعادة؛ مثل تعلم شيء جديد (المذاكرة مشمولة) والترجمة والكتابة الجادّة، وأحيانًا المكالمات.. لأنني لا أُحبّذ التواصل الصوتي وحتى أُوازن بين الشيئين المتضادين صرتُ أُحدد أوقات معيّنة للمكالمات، بل وأُنظّم جدولي بناء على وقتها، وأحيانًا أختار أن أؤدي بعض المَهام في المنزل أثناء المكالمة، ذلك يعتمد على الشخص الذي أُحادثه..


في النهاية، أعلم أن الحياة لا تصفو لأحد، وأننا لن نحظى بأيام ممتلئة بالسُرور في كل لحظاتها، ولكن.. حين نعرف أنفسنا جيدًا، ما يسعدنا وما يُؤذينا، نستطيع أن نصنع سعادتنا، لوحدنا.. لأنفسنا.. لأجلنا، ربما لا نملك أن نتحكم بأحداث حياتنا، لكننا نملك أن نُطعّم أيامنا بما نحب ممارسته علّنا نخفف ثقلها علينا.


ماذا عنكم، هل تعرفون ما الذي يُسعدكم؟
أقترح عليكم كتابة قائمة بالأفعال والأشياء والأكلات والأشخاص الذين يسعدونكم، ارجعوا إليها كلما مللتم الروتين الجاف واشتقتم لبعض المرح في حياتكم، اصنعوا مسرّاتكم بأنفُسُكم، واسعدوا واستمتعوا بأثر ذلك عليكم ~


05/03/2021

الجمعة، 20 أغسطس 2021

عن قيمة الامتنان




قبل ثلاث سنوات تقريبًا، قررت أن أجعل للامتنان مساحة في حياتي، في البداية، خصّصتُ له دقائق ما قبل النوم، وفيها أسرد كل نِعم يومي، العادية والمميزة، من الفطور اللذيذ، والماء النظيف، مرورًا بنعمة الإنترنت وخير التواصل الاجتماعي حتى آخر نعمة في يومي، مع الوقت، أصبح عقلي يمارس تعداد النِعم دون أن أُخَطّط لذلك:
حين أخرج للمشي لبضع دقائق، أجدني أبدأ بتعداد النِعَم من حولي، سماء جميلة، أشجار خضراء، أُرجوحة قريبة من بيتي، قُدرَتي على المشي، وعيني التي تُبصر الجمال، ألف الحمد لله.. أُردّد، ألف الحمد لله.

صار عدم النجاح في اختبار ما أو مقابلة وظيفة سببًا للامتنان لفرصة الاستعداد المضاعفة.

صار المرض فرصة لأتذكر نعمة الطبيب الجيد، وتوفر المال والدواء، والأخت التي ترعاني وتهتم بي، والأهل والأصدقاء الذين يحيطوني بأدعيتهم ودعمهم اللا محدود.

صار توديع الأحبة في المطار، وإن كان مُبلّلًا بالدموع، فرصة لتذكر نعمة أن استطعتُ لقاءهم ولو سريعًا، أنهم لا زالوا على قيد الحياة، أنهم موجودون، أنني.. مُحاطة بالأحباب.

كغيرنا من العائلات، خسرنا عددًا من أحبّتنا تِباعًا، كان الفرق بين الفقد والآخر عدة أسابيع، الحزن عميق عميق.. يعصر القلب والروح، الشوق، الحنين، الألم.. كلهم كانوا في أوجِهم. لكنني وبالرغم من كل شيء، كنت مُمتنّة، نعم كان الامتنان حاضرًا منذ لحظة تلقّي نبأ رحيلهم! ممتنة لأنني مدركة أنني لم أؤذِ أحبتي في حياتهم وأن قلبي وقلوبهم لم يكنّوا إلا الحب تجاه الآخر، ممتنة لأنني كنت أرى لنفسي قيمة لديهم، أراني مختلفة.. مميزة في أعينهم، ممتنة لأن ذكرياتي مع ابنة خالتي كانت سببًا في أن أضحك من أعماق قلبي حين عدتُ لمحادثاتنا على الواتس آب ليلة أن نامت هي في ثلاجة الموتى!

وجدتُ كيف أن الامتنان جعل الأيام الصعبة أخف، والمشكلة الكبيرة أصغر، وجعلني أُبصِر الخير في دُنياي بوضوحٍ أكثر. لمستُ كيف يجعل الاِمتنان روحي أكثر اِستقرارًا مهما عصفت الدُنيا من حولي، نعم كانت هناك مشاعر أُخرى طبيعية.. إلى جانب الاِمتنان الذي زرعتهُ زرعًا في عقلي، كان هناك الخوف، والحزن، والقلق، والندم، واللوم... والكثير الكثير من المشاعر التي لا أريد التخلص منها لأنها ما تجعلني بَشَرًا، لكن هناك الامتنان أيضًا الذي خفف من كل الأثقال والصعوبات، وأنا والله مُمتنّة لذلك 💖

أخبروني، هل جرّبتم سِحر الاِمتنان؟ وإلى ماذا أنتم مُمتنّون هذا اليوم؟

الاثنين، 26 يوليو 2021

ما تعلّمته من محاولات مُساعدة النفس








أعيشُ منذ عدّة سنوات مع القلق المَرَضي، أو ما يُعرف باضطراب القلق المُعمّم (Generalized anxiey disorder). أقول أعيش ولا أقول أُعاني لأنني في مرحلة من التعايش مع الاضطراب الذي قلّت علاماته وآثاره عليّ بشكل كبير بعد جلسات العلاج، ذهبت مرتين منفصلتين لجلسات علاج معرفي سلوكي، دامت كل فترة عدّة أشهر. بعد المرّة الأولى تخلّصت من نوبات الهلع بنسبة 95% حتى أنني في أول سنة ونصف بعد الجلسات نسيت أنني مريضة بالقلَق ونسيت أنني قد عانيتُ مُسبقًا من أية نوبات.. ولله الحمد. بعد ذلك احتجتُ للمساعدة النفسيّة عندما مررت بمرحلة انتقاليّة وصل القلَق فيها إلى أقصاه، دامت الجلسات حوالي ستة أشهر، خرجتُ منها بنُضج نفسي أكثر، ومعرفة أكثر بنفسي وكيف أعتني بها وأُعينها.

كنت ولا زلت أنصح الكثيرين بأن يخوضوا تجربة العلاج النفسي أو الحديث مع مُختصّ عن مشاعرهم وأحداث حياتهم التي تُشعِرهم بقلّة الحيلة أو الرغبة في الاستسلام أو عدم الاستمتاع بشيء أو مشاكل النوم وغيرها من الأعراض.

أُشارككم في هذه التدوينة بعض النقاط التي توصّلت إليها بعد سنوات من محاولات مُساعدة النفس الناجحة وغير الناجِحة، عسى أن يكون فيها الفائدة ورُبّما تحفّز أحدكم لتغيير حياته 🌸🌸


-في رحلة التغيير ومساعدة النفس، يحتاج أحدنا عزمًا وصبرًا من داخله ودعمًا وحُبًا وتفهُّمًا ممن حوله.


-لن تكون الظروف مؤاتية 100% لرحلة الاستشفاء، ولكن بالعزم والصبر والاستمرار ستتمكّن من التقدّم.


-لا يُحِب أحدنا شرح نفسه، خصوصًا إذا كان مريضًا أو مُصابًا باضطراب يُزعزع سلامه الداخلي واستقرار روحه. لكن، أظن أنّ حلاوة أن نجد مَن يفهمنا ويساندنا تستحق أن نتذوّق قبلها مُرّ التحدّث عن حقيقة ما نُعانيه.


-لا تخف من طلب المساعدة والمُساندة، يُقال: إن الحب والاهتمام لا يُطلبان، لا والله.. الاهتمام والدعم يُطلبان في مواضع كثيرة والذي يقابلنا، حتى وإن كان يُحبنا كثيرًا، لا يملك أن يقرأ ما في قلوبنا وعقولنا ويحلل ما نريد ونتمنى ونتوقع عنه ومنه.


-التوقّعات ثم التوقّعات ثم التوقّعات! إلى سلّة المُهملات

في كل مرة يقفز إلى رأسك توقّع عن الشخص المُقابل: والديك/ زوجك/أخيك... ذكّر نفسك أن توقعك مجرّد خيال وفكرة في رأسك وحاول التعرّف على الشخص الذي يهمّك أمره، وكيف يتعامل معك ويتصرّف في أحداث حياته.
إذا وجدت نفسك غارقٌ في توقعاتك عن أحدهم، غير قادر على تقبّله كما هو، تقبَّل حقيقته، اقضِ وقتًا واعيًا مع نفسك، حدِّثها، أو اكتب (أنا مُروّجة جيّدة للكتابة، فالكتابة سحر).. ما هي صفاته الجيّدة، المواقف الجيّدة بينك وبينه، الصفات التي لا تُحبّها، وتوقّعاتك عنه (ماذا تتمنّى منه)، الآن انظر الصفات التي تُحِب والتي لا تُحب والمواقف الجيّدة وحتى الذكريات السيئة التي لم أقترح عليكَ كتابتها، هذا الخليط كله من الجيّد والسيء، الخير والشر، الحب والشك، السعادة والحزن، الخيبات والمُفاجآت.. هذا هو الإنسان الذي أمامك، الكائن البشريّ الكامل، القمر ذو الوجهين بطبيعته، وتلك التوقّعات في أسفل الصفحة هي محض خيال وحبر على ورق وأفكار تدور في رأسك، هذا شخص خيالي لا يمتّ للإنسان الحقيقي بصِلة. الآن اسأل نفسك، هل ستبقى تعيش مع الصورة الخيالية وتغرق كل ساعة في خيبات الأمل وحزن التوقعات أم ستساعد نفسك على التعرّف على الشخص الذي أمامك وتقدير حسناته وتقبّل سيئاته كجزء لا يتجزّأ من بشريّته؟
أعلم أن التخلّص من التوقّعات صعبًا، وقد يكون مستحيلًا، لكنّي متيقّنة أن محاولة الموازنة بين كثرة التوقّعات والتعرف على الشخص المُقابل وتقبّله ستجعل علاقتنا بمَن هم حولنا أفضل.

-القسوة على الآخرين والقسوة على الذات

في عِدّة مواقف، وجدت أن الذي يقسو على نفسه ولا يقبل منها الخطأ والزلل، يقسو على الآخرين ويحكم عليهم ويؤنبهم ويوبّخهم، وأيضًا يتوقّع من الآخرين أن يُحاسبوه على كل شيء ويوبّخونه، ما العمل؟
الأمر بسيط، كُن رحيمًا مع نفسك، تقبّل طبيعتك البشريّة الخطّاءة، وهذا لا يتعارض مع نبذ الخطأ ورفضه. قد يأخذ الأمر بعض الوقت، اعطِ نفسكَ فرصة واستمر بالتدرّب.. حتمًا ستصل للطف مع نفسك والآخرين، ومع بعض الجرأة والحزم اللطيف ستتمكن من إيقاف تقريع الناس لك.. أيضًا، أو ربما.. وهو الأهم، لن تتأثر كثيرًا بتقريعهم.


-نقطة أخيرة، تذكّرها في حال بادرت وذهبت لجلسات العلاج:
غالبًا في اللحظة التي تشعر فيها أن جلسات العلاج مضيعة لوقتك ونقودك، وأنك لم تستفِد شيئًا وأن الكلام الذي تقوله لمُعالجك والقصص التي تقصّها عليه لا يساعدونك في رحلة التغيير التي تنشد، غالبًا ما تكون قد اقتربت من ملامسة مُسببات اضطرابك وتعبك، فعليكَ بالصبر والاستمرار في الجلسات. واعلم أن رحلة التغيير ليس لها نهاية، هي طريق ما إن تبدأه حتى تدرك أنك تحتاج أن تستمر في السعي فيه، ربما تكون هذه الحقيقة مُرّة بعض الشيء لكنك بعد أن تصبح صديقًا مُحِبًّا لنفسك ستتمكن من الصبر على السعي والاستمرار فيه، بل قد تجد فيه أحب الرحلات وألذ المشقّات ~


في الختام،
أتمنى لكم الصحة والراحة، أتمنى أن تجدوا مَن يأخذ بأيديكم دومًا كلما حاولتم مُساعدة أنفسكم، وأتمنى أن تكونوا قادرين على العناية بأنفسكم والتواصل معها بشكلٍ جيّد أو أن تصلوا لهذه المرحلة قريبًا 🌸

الثلاثاء، 8 ديسمبر 2020

٢٠٢٠ سنة عائمة بين المَوت والحياة

 ها قد بدأ آخر شهر في هذه السنة الكبيسة، الغريبة، المليئة بالأحداث منذ بدايتها سواء على الصعيد العالمي أو الشخصي.

كانت أخبار المرض المُعدِي المُنتَشِر في الصين قد شغلت العالم، ولكن ليس بِمعنى الانشغال التام بها، لا، بل كُنّا نضحك ونستهزأ، فتتساءل إحدانا: هل أُلغي طلبية الملابس من موقع شي إن؟ ويتساءل آخر: هل أستمر بالشراء من موقع علي إكسبرس؟ وكلما سمعنا عطسة أو كحّة ضحكنا وقلنا: "لا يكون كورونا"؟ فيضحك الشخص ببرود: لا، لم أذهب للصين. حتى نهاية فبراير ونحنُ ننظر لهذا المرض المُعدِي بأنه حدَث لا يجب أن يستحوذ على جُلّ اهتمامنا فهو "في آخر الدنيا" ولن يصل إلينا. إلى أن جاء الأسبوع الأوّل من مارس وبدأ الاستنفار العالمي، أُغلِقت المدارس والجامعات وأُرسِل الموظفين إلى منازلهم، خُصِّصت معظم المستشفيات لاستقبال مرضى كورونا، سكن الذعر والرُعب قلوبنا، لم نعد نشعر بالأمان وبتنا نبتعد عن مَن نُحِب، وعن جيراننا.

عشنا أيامًا هادِئة جدًا، غريبة جدًا، بطيئة جدًا، تواصلنا مع أحِبّتنا أكثر، عن بُعد، قرأنا بعض الكُتُب، صقلنا بعض المهارات؛ منها التطريز بالنسبة لي، والخَبْز بالنسبة للكثيرين. حِكْت عدّة مشاريع كيروشيهية، حاولت بدء بودكاست لكني لم أُفلِح، ابتدأت أختي قناة على اليوتيوب لتعليم الحياكة بالتريكو (سنّارتين). قضينا وقتًا طويلًا أمام الشاشات، نشاهد ونتواصل ونتعلّم. كما قضيتُ وقتًا طويلًا في "البلكونة" بين القِراءة والمُذاكرة والأكل. تخلّصنا من بعض الملابس التي لم نعُد بحاجة إليها، أعدتُ ترتيب الأغراض في المطبخ والخزانة بجانب الباب. حاولَت أُختي زراعة بعض الشُجيْرات، "عشان تكبر معانا في هالحجر وتعيش معانا"، لم تُفلِح. بدأ كثيرون مشاريعهم التي كانت مُعظمها تُدَار من المنزل، وهناك مَن فقدوا وظائفهم ليزدادوا همًّا فوق همومهم.

وقفنا طويلًا في طابور المحلّات التجارية، عفوًا.. البقّالات والسوبر ماركتات والصيدليّات فقط، فقد أُغلِقَت الأسواق وكأننا نعيشُ حِدادًا على أحدٍ لا نعرفه.

كانت سيارة الشرطة تدور بين الأحياء وصوت يصدح من مُكبّر الصّوت أعلى السيارة: "الزموا منازلكم، نحن نعيش في زمن الوباء، الرجاء البقاء في منازلكم". وكان رجال الشرطة يسيرون في الشوارع ، يُفرّقون أي اجتماع لأكثر من شخصين، يُوقفون من لا يلبسون الكمّامات، يدوّنون المخالفات ويُغرّمون المُخالفِين، وأعلنوا في المنصّات الرسمية أنه من حق الشرطة سؤالنا في الشوارع عن وِجهتنا وأين نقصد. كُنّا نُتابِع التلفزيون البولندي، نتابع الإحصاءات أوّلًا بأوّل، نُقارِن بين مُدُن بولندا وبين بولندا والسعودية. نقرأ الأخبار في الشريط الإخباري: تم القبض على ٥ شباب اجتمعوا عند بقاليّة لأنه يُمنَع التجمّع، ويُمنَع خُرُوج أكثر من شخصيْن معًا للشارع، وتم تغريمهم ٥٠٠٠ زلوتي.

كان الشهر الكريم أكثر روْحانيّة بالنسبة لكثيرين، وصاحَبَ ذي الحجة حسرة على الحج وموسمه وقلّة الحُجّاج بسبب الجائحة. الموسم العاشورائي كان مُختلِفًا، فبعد أن كانت جُملة: "رحِم الله مَن ذكر القائم فقام" تتردد حتى يتراصّ المُستمعون ويتّسع المجلس لأكبر قدَر ممكن من الناس، أصبحت الحُسينيات تُغلِق أبوابها بِمُجرّد الوصول لعدد المُعزّين المسموح به والذي تعيّن من قبل، حسب مساحة المكان، من قِبل الجِهات المُختصّة. فُتِحَت المساجد، لم يقُل إمام الجماعة للمُصلّين: "استووا وتراصّوا"، بل كانت المسافة الآمنة حاضرة ومطلوبة حتى في صلاة الجماعة، وإن لم يلتزم المُصلّون بذلك فسيتم إغلاق المسجد.

فقدنا ابنة عمة أمي، وابنة خال أبي، تُوِفّيَت ابنة خالتي ولحقتها خالتي، ثم جدّتي، وابنة عم والدي وعم والدي.. هذا غير المعارف وأقارب الأصدقاء. كانت ولا تزال أخبار الموت تتوالى، وآلام الفقد تزداد، والحُجّة القائمة من التذكير بالآخرة عبر رحيل مَن نُحِب إلى دارٍ غريبة عنّا، نؤمن أننا سنزُورها يومًا ما، هذه الحُجّة أبت إلا أن تضع الشدّة تلو الشدّة على جيمها. جرّبنا ألّا نُعانق مَن نُحِب ونبكي على مَن فقدنا، أعني... جربتُ ذلك مِرارًا لأنني أعيشُ بعيدًا عن أحبّتي، لكن هذه المرّة جرّبوا ذلك الذين يعيشون على نفس الأرض ورُبّما في نفس الحي والشارع، جرّبوا أن يكونوا بهذا القُرب ولا يستطيعون التزاور أو المُواساة حُضنًا لحُضن، صارت التعزية عن طريق المُكالمات ورسائل الواتس آب. هُناكَ مَن لم يُودّع فقيدهُ الوداع الأخير، لا لِسفرٍ أو لبُعد، بل للإجراءات المُتعلقة بعدوى الكورونا. رحل الأحِبّة ولم يُشيّعهم أحد لمثواهم الأخير، أو لم يحظوا بالتشييع الذي يليق بهم، وحتى حين كان هناك القليل لتشييعهم لم يتمكّنوا من مجاورة الجسد ساعة دخوله القبر، بل كان الوداع مؤلمًا وقاسيًا.. مِن بُعد، هذه الحفرة جاهزة، وُضِعَ الجسد، لُقِّنَ أم لم يُلَقّن، أُحيل التُراب على العينين المُغمضتين، وتفرّق الجَمع... الذي لم يكن سِوى ٦ أشخاص مبتعدين عن بعضهم البعض.

هناك أيضًا المُناسبات السعيدة، الخطوبات وحفلات الزواج البسيطة، من الزواج بلا حفلٍ تمامًا إلى الزواجات في حديقة أو منتجع بحضور لا يتجاوز الـ٥٠ شخصًا في مجتمع تعوّد أهله دعوة ٢٠٠ شخص أو يزيدون لحفلاتهم.

مواليد جدد لم يسمح نظام المُستشفى لوالداتهم باحتضانهم بعد الولادة مباشرةً، أو أن يبقوا معهم في الغرفة. وأمهات جديدات لم يفتحنَ بيوتهنّ لمَن يعاونهنّ في العناية بالوليد والنفس والمنزل، ولا من مؤنس للياليهنّ.

هدايا كثيرة وصلت من الأحباب المُشتاقين إلى عتبات المنازل، علاقات توطّدت وأخرى عرّاها البُعد فلم تصمد.

مرضى زادتهم الجائحة مرضًا، سواء على الصعيد الجسدي أو النفسي، وأجد أكثر التأثير نفسيًا حتى الذي ينعكس على الجسد. ومرضى بالكورونا، منهم من تعب قليلًا ثم تشافى، منهم من لازم الفِراش لأسابيع ومنهم مَن رقد في غرف العزل بالمستشفى أو في قسم العناية الفائقة. منهم مَن شعر باقتراب الموت ثم وجد أنه كُتِبَ له عمرٌ جديدٌ، منهم مَن نسي أنه مرض بعد تماثله للشفاء ومنهم من ظلّ تأثير المرض على جسده حتى بعد انقضاءه.

امتنان لوجود الأهل والأحِبّة والأصدقاء، واهتمامهم. امتنان لجهود الطاقم الطبّي ووزراة الصحة وكل دائرة كانت سببًا في عبور الجائحة بأفضل صورة ممكنة. امتنان لأن العمر لم ينتهِ، حسرة على الذين رحلوا، وتذكّر للموت في كل حين.

سنة غريبة، كأننا على ظهرِ موْجة، مرة في أفضل الأحوال وأسعدها ومرة في أحلك أودية الحزن والضياع. الخائف ازداد خوفَا، المريض بالقلق ازداد قلقًا، والمُفرِط في السَكِينة لم تتزعزع سكِينته.

ستنتهي السنة، ولا زلنا تحت مظلّة الجائحة، هناك ٨٠٠٠ حالة مُعلن عنها اليوم في بولندا و٤٠٠ حالة وفاة. والخبر الجيّد أنه تم تصنيع عدة لقاحات لمواجهة الوباء. نتطلّع لليوم الذي نخرج فيه من منازلنا آمنين مطمئنّين، لا نشغل أنفسنا بالعدوى وطرق الوقاية، أتطلّع لليوم الذي سألتقي فيه أحبتي وأحتضنهم طويلًا دون الخوف من أن أكون سببًا في مرضهم أو يكونوا سببًا في مرضي.

أُمنيتي أن نحظى بأيام ألطف وأخفّ على قلوبنا، وأن ننعم بالأمان والسلام، ويجتمع الأحباب في خيرٍ وفرح، فليضحكوا كثيرًا وليبكوا قليلًا.. آمين 💖

الأحد، 30 أغسطس 2020

في رِثاء خالتي

 


بين الساعة والأخرى وأحيانًا من يومِ لآخر.. أشردُ بعيدًا عن مكاني وزماني وأسألُ نفسي: هو رحَلَت حقًا؟ هل رحلتِ يا خالتي الحبيبة.. بلا عودة؟ أسترجع أيامنا الأخيرة، أحاديثنا المطولة عبر الهاتف، حديثنا عن هذه الأيام الغريبة.. أيام الكورونا، الجلوس الإجباري في المنزل والخروج لطلب الرزق وشراء الأساسيات فقط لا غير، "أفلام" أحفادكِ، ضحكتكِ، سؤالكِ الدائم عن كل أفراد أُسرتي كلما تحادثنا: بعدها زينب تحب التفاح؟ حمّود ولدها زيها؟ ثم الحنين الذي لا تشائين إلّا أن تُعبّرين عنه فجأة هكذا.. وسط أحاديثنا: اشتقنا لكم.. متى بتجين؟ خاطري أشوفش، تذكيركِ لي بأن الطب كان حلمي منذ الطفولة، حلمي الذي.. أنسى أحيانًا أنني حققته، أنه إحدى الدلالات على أن الأماني تغدو حقيقة والدعاء يكون مستجابًا، دعائكِ الدائم لي "أنا كله أطلب لكم، الله يوفقكم ويردكم لنا سالمين.. اشتقنا لكم".

لماذا يرن صوتكِ في أذني الآن؟ / أسمعُ ضحكتكِ.. / أرى وجهكِ المُبتسم قُبالتي...

لماذا يبدو غيابكِ ككِذبة؟ هو هكذا فقد الأحباب، من الصعب على العقل إدراكه، هل ماتوا حقًا؟ -نقول-، وما الموت؟ -نتساءل-، يا ترى كيف هو شكل العالم الذي يعيشون فيه الآن؟

كنت أُحدّثُ نفسي قبل غيابكِ بساعات، أقول إنني أُحب الدقائق والساعات التي أقضيها في محادثتكِ، وبأنني غير مستعدة لأن تغدو مجرد ذكرى، هه.. يضحك الموت، يضحك القدر من ثقتي أنا.. الكائن البشري المحدود وتصديقي بأن عدم استعدادي لحدوث شيءٍ ما.. يجعل حدوثه مُستَبعَدًا، وما الدنيا؟ ما الحياة غير المُباغتات والمفاجآت والأحداث غير المُستَعَد لها؟

في اليوم الثالث لرحيلكِ، وقد كنتُ أعيش لحظة من لحظات استطعام مُرورة غيابك، تذكرتُ أنني صوّرتكِ بكاميرتي الفوريّة في لقائنا قبل الأخير، فأسرعتُ لغرفتي كي أبحث عن الصورة.. الكنز، ياللفرحة عندي صورتين مطبوعتين لي مع خالتي، وكالجدّات حين ينظرن صور أحفادهنّ، ضممتُ الصورتين لصدري وقبّلتُ وجهكِ الذي بات ذِكرى.. مُجرّد ذِكرى.

ياه، ياللدنيا، أنا وأنتِ وهم، كلنا.. مجرد وجوه تجيء وتذهب، تغيب فتستمرُّ الحياة، يقلبُ كتاب الحياة صفحتنا لا مُبالِيًا، تُشرق الشمس من جديد، يذهب الناس إلى أعمالهم، إلى السوق، إلى النادي الرياضي، وتمضي الحياة.. "عااادي".

لقد رحلتِ إذن يا خالتي، لم يعد دواء الشوق الاتّصال، مُذ ذهبتِ أُُصِبنا بشوقٍ لا علاج له، هي حسرة الأحياء على الموتى باقية وتتجدد كلما ضمّت الأرض جسدًا لِمَن يُحِبُّون، إلى رحمة الله يا خالتي الحبيبة، ما يُخفّفُ عنّي ألم فراقكِ الأبدي هذا هو إيماني بالعالم الآخر وأملي بلقاءٍ لا فراق بعده، إلى رحمة الله.

/

الفاتحة لفقيداتنا السعيدات، فقدناهنّ الواحدة تلو الأخرى، فقدهنّ كالحلم.. بل كالكابوس، حبيبات، عزيزات، لا نذكرهنّ إلا بالخير، أقرأ نُكَت ابتسام فأضحك وأقول يا بسمة كنتِ بسمة في حياتكِ وبعد مماتك، أسمع صوت خالتي زهراء في مقطعٍ أرسلته لي بداية السنة فأستشعر الحُب وعظم الشوق، أتذكر جدة أم عبد الله في آخر زيارة لي لدار أحبّتي، تحتضنّي وتُقبّلني المرة تلو المرّة، وهي التي عوّضتني عن فقدِ جداتي بحُبها وحنانها وسؤالها، إن أحبابنا هم صورة من صور رحمة الله في الأرض، الرحمة لكُنّ يا غاليات، فلتكُن الجنة داركنّ ومُستقرّكُنّ.

الاثنين، 25 نوفمبر 2019

مدونتي الثانية: جسر

مرحبا يا رِفاق،
أنشات في بداية السنة الميلادية مدوّنة ثانية لي، وفيها أنشر مقالاتي المترجمة سواء مع مجموعة نون العلمية أو الترجمات الخاصة للمدونة، ستكون هذه التدوينة مرجعًا لمن يود قراءة مدونتي الأخرى منكم، سأُحدّثها كلما نشرت مقالًا في مدونتي الأخرى.
أسعد بتواصلكم معي واقتراحاتكم عليّ.. بإمكانكم اقتراح مقال للترجمة أيضًا إن أحببتم وإذا كان مناسبًا للترجمة من وِجهة نظري سأترجمه. أُرحّب بانتقاداتكم البنّاءة، وأُذكّركم أنني لستُ مُختصّة في الترجمة بل أمارسها حُبّا فيها وحُبّا في الكتابة :) كما أُذكّركم بأنني لا أتفق بالضرورة مع كل ما أُترجمه.
المقالات المنشورة على مدونة جسر:
١. مُقدّمة
٢. مقالاتي المترجمة مع مجموعة نون العلمية - يتم تحديث هذا القائمة باستمرار
٣. كيف تدير مشاعرك القوية؟
٤. ٩ أنواع من التوتر العضلي ناتِجة عن المشاعر المكبوتة ـ الجزء الأول
٥. ٩ أنواع من التوتر العضلي ناتِجة عن المشاعر المكبوتة ـ الجزء الثاني
٦. ٩ أنواع من التوتر العضلي ناتِجة عن المشاعر المكبوتة ـ الجزء الثالث

أتمنى لكم قراءة ممتعة ومفيدة :)

رُكنِي الدافِئ

هذه التدوينة نتيجة إلهام من منشور الصديقة فاطمة الزهراء 💖 حين سألَت عن شعورنا تجاه غُرفنا وهل نعتبرها مساحة آمنة نحبها ونرتاح فيها أم ننفر...