الجمعة، 30 أكتوبر 2015

كان البيت حيًّا

كان ذاك البيت عامرًا بأهله، بالأطفال الصغار الذين يملؤونه لعبًا وصراخًا… يملؤونه حياة، بالكبار الذين يعلو صوتهم نقاشًا/ تأديبًا. كان البيت لا ينام إلا سويعات قليلة تصحو بعدها العائلة، الأم الساعة أول من يصحو، توقظ الجميع من نومهم، الأم "الشيف" تجهز طاولة الإفطار وقبلها تشرف على أولادها الكبار وتجهز الصغار بنفسها… لليوم الدراسي، الأم الساعة تدعو أبنائها للخروج "ستتأخرون على باص المدرسة" تقول

خرج الجميع، الآن البيت يحيا بها... فقط

عاد الأولاد، عادت الحياة الأجمل للبيت
-أمي، ماذا أعددتِ للغداء؟
-أمي، أين بجامتي البيضاء؟
-أمي، لماذا رميتِ قميصي الأحمر للغسيل؟ كنت سألبسه مرة أخرى
بدلوا ملابسهم، تناولوا غداءهم، استذكروا دروسهم مع الأم المعلمة، حان وقت اللعب،
الحياة في أوجها في ذلك المنزل، هذا يلعب هذا يضحك هذا يصرخ هذا غاضب هذا فرِح هذا زعلان...
عاد الأب من عمله، اكتملت حياة المنزل
أكل طعامه، تحدث قليلا مع أبنائه، وراح ينهي أعماله... أعني يستمتع بوقته بعيدًا عن صخب الحياة هذا، بعيدًا عن تعب زوجته في تعديل المنزل وتنظيفه ورعاية الأبناء الستة

مرت السنون، كبر الأولاد، كبرت الأم، الأب أيضا كبر...
منهم من سافر، منهم من تزوج/ أو لم يتزوج لكنه انتقل ليعيش خارج هذا المنزل، منهم من رحل من الدنيا.... رحلوا وبات البيت الممتلئ بالحياة ممتلئا بالأشباح
وما هي الأشباح أصلاً؟
هي ليست موجودة بالمعنى الحرفي للجملة، نحن من أوجدنا الأشباح… حين ضعفنا عن زيارة بيوت الغائبين، تألمنا لرؤية الديار خالية من أهلها، بحثنا عن ضحكة الصغير وحديث الكبير، عن الصراخ والعِراك، عن سكن الليل وإزعاج النهار ولم نجدهم، كنا نراهم في خيالاتنا وأوهامنا فقط… لأنه عز علينا أن نناديهم فلا يجيبونا، أن نزورهم فلا يستقبلونا… اعتبرناهم أشباحًا، أو اعتبرنا أن الأشباح سكنت مكانهم، تعذّرنا بالأشباح وابتعدنا يومًا وعشرة أيام وشهور وسنوات عن المنزل
صار البيت الحي... ميتًا ومهجورًا ومسكونًا… بالأشباح

هناك تعليقان (2):

رُكنِي الدافِئ

هذه التدوينة نتيجة إلهام من منشور الصديقة فاطمة الزهراء 💖 حين سألَت عن شعورنا تجاه غُرفنا وهل نعتبرها مساحة آمنة نحبها ونرتاح فيها أم ننفر...