الجمعة، 13 يناير 2017

مذكرات طالبة طب (3) | الطب الجنائي

أنهينا اليوم "كورس" الطب الجنائي (الشرعي)، وأنا متحمسة منذ اليوم الأول للكتابة عنه وتوثيقه في مدونتي، وقد كتبتُ مدونة كاملة أول يوم لكنّي لم أنشرها.. شعرت أنها أثقل من أن تُنشَر، كتبت أخرى فجر الأمس وكنت مترددة هل أنشرها أم لا.. ربما أقتطع جزءًا من كليهما وأضيفه لهذه التدوينة.
قضينا أسبوعين في التعلم العملي والنظري عن كيفية فحص الجثث وتشريحها لمعرفة سبب الوفاة وتوثيق آثار الإصابات والاعتداءات. تعلّمنا أيضًا طريقة الكشف على ضحايا الإغتصاب من الكِبار والصغار، وكيفية جمع أدلّة من ملابس الضحيّة وجسدها لمعرفة هوية المعتدي.
حين دخلنا المشرحة، وهي ليست المرة الأولى لنا فيها (أعني المشرحة بشكل عام وليست هذه المشرحة على وجه الخصوص)، حيث دخلناها مرات كثيرة في سنتنا الأولى، لكن الفرق هنا أننا، في المشرحة الأولى، كنا نرى جثث لأشخاص توفوا منذ وقت طويل وقد وضعت في أجسادهم مواد حافظة حتى لا تتحلّل. هذه المرة نحنُ نرى جثث توفيت قبل أسبوعين على أكثر تقدير.. وربما أقل، لم تُحفظ بفورمالين ولا غيره. كانت الهيبة أكبر، شعرتُ برعشة بسيطة... لم أشعر بها من قبل.. ودارت في رأسي أفكار كثيرة.. وشعرت بالحزن لأجلهم، خصوصًا أولئك الذين لم يتوفوا وفاة طبيعية. تساءلتُ بيني وبين نفسي عن السبب الذي يدعو الطبيب ليتخصص هذا التخصص، جاوبتُ نفسي بنفسي: مِهنة شريفة جدًا، إنه يساهم في فضح الجرائم، أخذ حقوق الموتى والمظلومين والمُعتدى عليهم. من جهة أخرى لا أستطيع إنكار الشعور الذي زارني حين رأيتهم يُقطّعون الجسد ويستخرجون ما بداخله.. وكأنهم مجرمين، كنت أردد: "قتالين قتلى.. جزّارين.. قصّابين"
بالنسبة لي رؤية الأعضاء الداخلية وتشريحها والنظر لها بعينيّ المحقق الباحث عن علة أو مرض أو أثر.. ممتعة، ولكن التشريح بحد ذاته مُتعِب.. نفسيًا أعني، أراه ثقيلًا على القلب، فعلى مدى عشرة أيام كنا نرى على الأقل أربع جثث ونعمل على تشريح جثة واحدة يوميًا. كان لكل جثة قصة وسبب، منها من وُجِد ميتًا في مكان مهجور/ بيته/ دورة المياه، منها ضحايا حوادث السيارات/ وأخرى قضت بعد أن صدمها قطار، منها حالات إطلاق الرصاص والشنق، ولا ننسى حالات الحرق منها جثة متفحمة تمامًا بعد انفجار أحدثته الألعاب الناريّة في "كراج" السيارات!

سألني فريد بعد التشريح الأول: سندس، ما الغاية من الحياة؟
- نعيش لكي نموت فريد.. نعيش لكي نموت

شاركتُ اليوم في التشريح، كنتُ قد قررت مُسبقًا أنني لو اضطررتُ للمشاركة فسأختار الدماغ، لأنه سهل وخفيف...من الناحية التشريحية أعني، أيضًا هو عضوٌ أنظف من غيره فلن أواجه نافورة من الدماء أو بقايا طعام أو غير ذلك إذا ما قطّعتُ الدماغ. والأهم أنني لم أشعر أنني مجرمة حين فعلتُ واجبي :p
انتهى.

* ملاحظة: تم حذف مقاطع عديدة وذلك لعدم مناسبتها لقلوبكم الرقيقة :p *أيقونة ملاك*

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رُكنِي الدافِئ

هذه التدوينة نتيجة إلهام من منشور الصديقة فاطمة الزهراء 💖 حين سألَت عن شعورنا تجاه غُرفنا وهل نعتبرها مساحة آمنة نحبها ونرتاح فيها أم ننفر...