الأحد، 26 مايو 2013

أحدهم ينكر وجوده لكنني رأيته، رأيت الله

رأيت الله في جسدِ إنسان لا أعرف أصله ولا فصله، لا أعرف عِرقه، أجهل إلى أي دين ينتمي، قد يكونُ مُلحِداً أو مسيحياً وربما كان يهودياً، رأيته في كل عضوٍ وعظمٍ ولحمٍ في أحشاء ذاك الإنسان القابِع في مشرحة الجامِعة.
 


رأيت الله في رأسهِ المقطوع ودماغه المُستَخرج بصعوبة من أسفل جمجمته، كان دماغهُ طرِيّاً ككُرَة إزالة التوتّر، منحوتاً بِعِناية كجَوْزة، رأيته في عصبِ البصر الذي نشأ كجزء من الدماغ، تغشّى بأغشيته وراح يُداعب الشبكِيّة عائداً للدماغ بمعلوماتٍ عن كل شيء أبصرته العين*، في الفم، في الشفتين اللتين تُفتَحَان بمُجرد عجز الأنف عن استنشاق الهواء، حتى ينوب الفم عن الأنف في تلك المُهِمّة المهمة فلا يموت الإنسان لمُجرّد عدم تمكّن الأنف من التنفس، في اللسان الذي يمنع اللُعاب من الوصول للحلق حال النوم وغيره، وإن لم يفعل لشرق الإنسان ومات! في العضلات البسيطة التي تُحيط بالأورِدة والشرايين والأعصاب والفقرات في الرقبة، بسيطة لكنها تقوم بعملٍ عظيم، في فقرات العمود الفقري التي تُحِيط الحبل الشوكِيّ بعناية حتى لا يُجرَح ولا يُخدَش ولا تطاله أي أداة جارِحة بسهولة، في اليدِ وعضلاتها وحركاتها، في بصمة الإصبع التي تختلف من إصبع لآخر.



رأيتُ الله في القلبِ الذي لا يعرف التوقّف عن العمل، ننام فيبقى مُتيقّظاً، يصمت الدماغ فيُحاول هو البقاء على قيد النبض، رأيته في اختلاف خِلقة الرئتين وملائمة ذلك لموقعهما في الجسد، حيث ترتفع الرئة اليمنى عن اليُسرى قليلاً حتى تسمح للكبد بالتربّع على عرشها أسفل تلك الرِئة، وبالنظر للرئة اليُسرى وثلمتها التي تعطي القلب مجالاً ليتربّع هو الآخر على عرشه بين الرئتين مائلاً لليُسرى قليلاً، في الحِجاب الحاجِز، في الفتحة التي يمر منها المريء والوريد الأجوف والعديد من الشرايين والأعصاب، تلك الفتحة التي إن اتّسعت لصعدت أعضاء البطن للصدر وإن ضاقت لضغطت على محتوياتها فنتج عن ذلك ما لا يُحمَد عُقباه، في الأمعاء التي ما إن أخرجناها من أحشاء المُشرَّح حتى صعب علينا إرجاعها كما كانت، في الكلية التي لا يتجاوز حجمها حجم قبضة اليد ولولاها لهلك الإنسان، الكلية التي تُنقّي ما يصل إلى ١٨٠ ليتر من الدم يومياً، في القدمِ التي تصغر العديد من الأعضاء ولكنها قادِرة على حمل الجسم كله بل والمشي والركض به، فيسير الإنسان حاملاً على قدمه عشرات الكيلوغرامات دون أن يشعر بثقلٍ أو عجز.



رأيتُ الله في رحم الأُنثى، الذي -حتى وهو مُتّصل بالمهبل- لا يتجاوز طول ذِراعي وعرض كفّ أحدهم! في عضلاته القابِلة للتمدد حتى لو دعا حجم الجنين لوصول الرحم لأسفل الحِجاب الحاجز لفعل دون أن تنقص من قدرته على إحاطة الجنين بعناية شيئاً، في الحبل السِرّي الذي يربط الطفل بأمه فتُغذّيه وتمدّه بالأجسام المُضادّة وتُخلِصه من الفضلات، في ثدي الأم وغدد اللبنِ فيه، الثدي الذي ما إن تحمل الأم بإبنها حتى يتهيأ لتغذية ذلك الإبن.





رأيت قُدرة الله في الأوعية الدموية، كيف لهذه الشبكة العظيمة أن تحمل بين أوعيتها حوالي الخمسة ليترات من الدم وتضخّها لكل عضو ونسيج في الجسم دون آمرٍ أو ناهٍ؟ في أوردة الساق التي تُسيّر الدم عكس قوانين جذب الكُرة الأرضيّة، في الأعصاب المُتوزِّعة في أنحاء الجسد، بعضها ناقل للإحساس والبعض الآخر باث للحركة وقد يقوم العصب الواحد بكلتي المُهمتين، يالله! ما أقرب الدماغ والحبل الشوكي للأعصاب، ما أسرع وصول تلك الرسائل العصبيّة للجهاز العصبي المركزي وسرعة استجابته لها، وإن وصلته رسائل عدة من أعضاء مُتفرِّقة لاستجاب لكل منها دون أي تباطؤ أو كسل.
فسُبحان مَن خلقنا في أحسنِ تقويم، وجعل معاجزه فينا ولم نُبصِرها، وحين أبصرنا بعضها لم نشكره حقّ الشكر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



- من المَعيب حقاً أن تكون طالب/ة طب وَ قد أمضيتَ/تِ جل وقتك في دراسة معجزات الجِسم البشري و الجمال الذي لا يُصَدّق لعلم التشريح وَ ما فيه، وَ تظلّ تعتقد بأن وجودك في هذا الكون محض صُدفة ! اصحَ يا صديقي، أنا و أنت معجزات الخالِق... الله <3



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* عصب العين ينشأ من مجموعة خلايا عصبية في شبكية العين، تكون ألياف البصر، ما يعرف بالعصب البصري الذي يغوص في الدماغ في مسار معقد. كتبت هذه المدونة في بداية دراستي للطب لذلك -الآن- أجد الجملة أعلاه غير دقيقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رُكنِي الدافِئ

هذه التدوينة نتيجة إلهام من منشور الصديقة فاطمة الزهراء 💖 حين سألَت عن شعورنا تجاه غُرفنا وهل نعتبرها مساحة آمنة نحبها ونرتاح فيها أم ننفر...